السعر الأصلي هو: $4.99.$3.99السعر الحالي هو: $3.99.
أنا الإنسان، أنا الوطن، هو عمل فكري سياسي-اجتماعي موضوعه الأساسي العلاقة بين الإنسان وموطنه، وكيف أثمرت العلاقة بينهما عن قيام الحضارة الإنسانية بصورتها الماضية والمعاصرة. وهذا العمل يحاول تتبع العلاقة بين الإنسان والوطن منذ بدء الخليقة.’
في المبتدأ، وُجد الإنسان في الحياة عارياً، جاهلاً، لا ينطق، تماماً مثل سائر الحيوانات والكائنات الحية من حوله. لماذا أتي إلى الحياة، ومن أتى به، ولأي غاية أو هدف؟ لم يسأل، وما كان يستطيع. كل همه حينذاك أن يعيش، أن يبقى في الحياة، أن ينجو من المخاطر، أن يسد جوعه ويروي عطشه ويطفئ رغبته الجنسية. ما كان يشغله أي شيء آخر على الإطلاق. فبعدما وجد نفسه في معترك الحياة، دون أن يختار ولسبب لا يعلمه، تمسك بها بكل ما أوتي من حيلة وبأس، ولم يشغله سوى أن يبقى حياً في حياة لم يختارها، ولم يسأل نفسه حتى كيف نشأت أو لماذا.
حتى تمسكه بالبقاء كان رغماً عنه ولم يكن اختياراً. لقد نشأت الحياة مسلحة بحزمة من الغرائز الطبيعية الكفيلة بحفظ الحياة من التوقف والزوال. قلبه ينبض ورئته تتنفس وأعضائه الداخلية تؤدي وظائفها الحيوية من تلقاء نفسها دون استشارته؛ الجوع يضطره إلى أن يسده بالطعام، والظمأ بالماء العذب، والشهوة بالجنس…الخ. هكذا لا تزال تفعل كل الحيوانات حولنا حتى اليوم؛ ولم يكن الإنسان الأول متمايزاً في شيء. كأن الحياة أهم وأثمن من أن تؤتمن عليها الكائنات الحية كافة- ومن ضمنها الإنسان- ومن ثم نشأت مزودة بأسلحتها الخاصة- الغرائز الطبيعية- لكي تحصن وتحمي وتحفظ نفسها من الانقراض.
ثم في زمن ما بعيد، بعيد جداً عن زمننا الحاضر، وبسبب حادث أو ظرف ما، تطورت لدى الإنسان دون سواه من الكائنات الحية ملكة “العقل”. منذ ذلك الزمن، قبل نحو 100 ألف عام، بدأت حياة الإنسان تتميز وتتفرد عن بقية المخلوقات كافة، وخطى الإنسان خطواته الأولى نحو الحضارة كما نعيشها في زمننا المعاصر؛ تعلم الكلام والزراعة والاستقرار، اكتشف واستغل النار، صنع الأدوات، أعاد اكتشاف نفسه والكون كله، ليعيد إنتاج نفسه وبيئته المحيطة في صور حضارية مصنّعة شديدة الاختلاف والتباين عن صورها الطبيعية الخام. وكما تعلم الكلام والزراعة والاستقرار واستخدام النار وصناعة الأدوات، ابتكر كذلك مؤسسات وشخوص اعتبارية غير طبيعية- غير موجودة في الطبيعة كهبة طبيعية خام- مثل الأسرة والجماعة والقبيلة والعشيرة والمجتمع والدين والدولة والأمة….والوطن.